((اضغط هنا)) الراصد المنير: مقالات دورية

كتابات وخواطر أبوطالب ألهاشمي

 
  مذكرات وحياة أبوطالب الهاشمي  
اهلاً و سهلاً

شجى الالحان وومضات مخمليه

 كنت أتهاود بمشيتي على رصيف شاطىء البحر الابيض المتوسط في بيروت ، والوح بناظري صوب موجات البحر البيضاء المتناثره ، وأشعر بنسمه بارده ، والتمس بوجهي رذاذ من الماء المتطاير ... وأفكاري وهواجسي تتضارب بين تصورات يتجاذبها أمل الشباب في خطوات واثقه بدروب الحياة وتشعباتها ومسارتها المتنافره ..ومخاوف ومحاذير من آفاق المستقبل .

     وانا في هذه الأجواء الرومانسية منفردا مع نفسي ودواخلها العميقه ... أدور مع دوران الغربه أبحث عن بوصلة وقارب وشاطىء أرسي عليه ... ولكن يظهر أن دفتي مشروخه وفناري خافت ... ولا أملك في الدنيا الا عنفوان شبابي ، وصلابه ارادتي ... وروحي المعنويه العالية فانا ( سن صخري ) شامخ ، بفرح بتلقي موجات البحر ويسعد بتكسرها وتلاشيها متراجعه تئن من ضربات الصمود وتشكي التشظي كرذاذ متناثر مدوي ..!!

     وفي هذه الهوينات سمعت مناديا باسمي ولعدة مرات ، وعندما التفت رأيت صديقي " سرمد " ومعه زميلته يتراكضان نحوي ، وبعد تبادل التحيات ، عرفني على الفتاة حيث انها طالبه في المرحلة الثانية في الجامعه الامريكية تدرس الادب المقارن ... !! وبادرت بدعوتهما على الغذاء معي في أحد المطاعم على البحر مباشرة ... حيث أخترنا الطابق السفلي المقارب لمستوى البحر ... !!

     وبعد حديث روتيني ، طلبت " دنيا "من زميلها أن يطلب أغنيه ام كلثوم " رباعيات الخيام " لأحمد رامي وتلحين رياض السنباطي .. واثناء ذلك أتفقنا على تناول صحن   " كوكتيل بحري مشوي" وبعض المقبلات اللبنانيه المعتادة .

     ولقد تعالى صوت ام كاثوم الشجي ، يشدو بكلمات بليغه رائعه مع لحن متناغم ... وتتراقص هذه الالحان بانغام طربيه باذخه ، تحفر في اخاديد الاحاسيس نوتات راقية تهز النفوس ، وتحرك في أوتار القلب ضربات ايقاعات تهز الوجدان والمشاعر برعشات لذيذه تواكب تلاطم موجات البحر ورذاذها على زجاج المطعم الشفاف .. انها لحظات ورديه سمت بها الكلمات الرقيقة والبيان الحي وصفاء النفوس ... وتلاقت هذه الهوينات مع الوجه الحسن والجو العبق برائحة الياسمين التي تتأثر في الارجاء .

     ولقد قيل الماء والخضراء والوجه الحسن ،تثير شبق العواصف والممزوج بلحظات من الاسترخاء والتراخي الذائبة في لحظات من التجلي اللامنظور التي يسعى لخلق مناخات من لحظات السعادة والحبور والبشر المذاب في بودقه من العواطف الرومانسيه التي لاتعرف كنهها ... ولكن تعرف مذاقاها كرحيق مذاب في عسل الكينونه الأبدية ، وفي ضبابها ونداها الدبق في ومضات من اشعاعات لازورديه مخملية مغلفه بأريج من العطر الزكي ، كالسلم الغافي في أحضان رذاذ البحر المتناثر ... !!

 أحس في نفسي دبيب الغناء
ولم أصب في العيش الا الشقاء
ياحسرتا أن حان حيني ولم
يتح لفكري حل لغز القضاء

..............

لبست ثوب العيش لم استشر
وحرت فيه بين شتى الفكر
وسوف أنضو الثوب عني ولم
أدرك لماذا جئت اين المفر

   ولم اسمع الا " دنيا " تناديني يا رجل أين سرحت واين ذهبت ... " اكلك سيبرد .. " ان الطبق شهي شكرا على الاختيار ... انه لذيذ وطازج ومشوي بأتقان ... !!

     وأخذت " دنيا " تشرح لنا الفروقات في القصيدة والكلمات الفارسية وما يقابلها بالفرنسي والانكليزي وأخذت كلماتها تترى كالشلال بدون أنقطاع ، والقت علينا محاضره غنية بالادب المقارن ، واثنت على رامي كثيرا .

     قاطعتها وقلت لها لماذا تهملين كتاب وشعراء زاملوا رامي ... وعربوا "الرباعيات" بشكل رائع وزاهي وبكلمات وتصورات وأناهيد وتعبيرات جزله وفخمه ورقيقه .. قالت ومن هم أنني اعرف الكثير من الاوربيين اللذين ساهموا في هذا السفر الرائع ... قلت لها أين أنت من الشاعر العراقي الصافي النجفي ... د.مصطفى جواد ، جميل صدقي الزهاوي ، محمد الهاشمي واين نخله ووديع البستاني والمعلوف من لبنان ، ود.جميل الملائكه من العراق وآخرون لاتحضرني اسمائهم ... فقالت أنا معجبة بترجمة الكاتب ادوارد فيسجيرالد .

    وتعالى صوت أم كلثوم يتراقص مع الزهور والعشق والغرام ، والربيع, والخمر ...

 سمعت صوتا هاتفا في السحر
نادى من الحان غفاة البشر
هبوا املؤوا كاس الطلا قبل ان
تفعم كاس العمر كف القدر

تأوه "سرمد" وأنب زميلته وقال الاتكفي اعطينا مجالا لنأكل ولنستمع الى الاغنية فقالت أن صديقك ماهر بالحديث ولبق ورومانسي وسأكف عن الحديث ان اعطاني كلمة ووعد بأن يأتي معنا الى زحلة يوم غد عندما نذهب لاهلينا وبعد الحاح طويل ... وافقت على هذا المقترح على ان يسمعونني طول الطريق أغنية أم كلثوم " اغار عليك" من نسمة الجنوب كلمات أحمد رامي ايضا :-

 أغار من نسمة الجنوب
على محيياك يا حبيبي
واحسد الشمس في ضحاها
واحسد شمس في الغروب
 واغبط الطير حين يشدو
على ذرى فرعه الرطيب
فقد تري فيهما جمالا
يروق عينيك ياحبيبي

  وفعلا التقينا صباحا باكرا ... وقدمت لي هدية ديوان رامي الاول وقدمت لها ديوان "الصافي" ... وفيها كلمات رقيقه

 لقد كنا نتيه بقفر حب
ظماء لانعب سوى السراب
فليس اليوم يروى منك شوقي
ولو أني شربتك كالشراب

 لقد وصلنا الى زحلة حيث استلمتني أخت "سرمد" "اليزا" ونظمت لي جوله واسعه في زحله وبعلبك وبعد جولة بين كرومها والاطلاع على ضفاف "نهر الليطاني" هذه المدينة الخلابة التي تعتبر عروس البقاع ومدينة الخمر والشعر والجمال ... وتشتهر بمقاهي "البردوني" وشاليهات وكابينات خضراء بأسمه يانعه .. ومن شعرائها سعيد عقيل ، والاخطل الصغير وخليل مطران وفوزي وشفيق المعلوف ... وقد اهداها أحمد شوقي قصيدة "جارة الوادي" :ـ

 ياجارة الوادي طربت وعادني
مايشبة الاحلام من ذكراك
ولقد مررت على الرياض بربوة
غناء كنت حيالها القاك
 ووجدت في انفاسها رباك
لم ادر ماطيب العناق على الهوى
حتى ترفق ساعدي فطواك

 وبعد ثلاث ساعات التقينا مع أسرتي سرمد ودنيا في أحد مقاهي الوادي قرب تدفق وخرير شلالات الماء الجاري ولقد أحتفت بي الاسرتين كأنني صديق قديم ... رغم مازلت في ريعان الشباب لم أتجاوز عشرون ربيعا ... ولقد أنشدني والد دنيا أبيات من قصيدة الجواهري :- 

 حييت سفحك عن بعد فحييني
يا دجلة الخير يا ام البساتين
يا دجلة الخير : ما يغنيك من حنق
يغلي فؤادي وما يشجيك يشجيني
 يا دجلة الخير يا نبعا افارقه
على الكراهة بين الحين والحين

 لقد أمضينا سويعات رائعه ورقص الجميع الدبكات اللبنانية لمدة ساعه تقريبا .. وعند المساء ودعناهم وعدنا أدراجنا نحن الثلاثه الى بيروت ، ولقد نعمنا باوقات صافيه وسعادة وانشراح لايوصف .

 ومن الغريب عند العودة سكتت وسكنت "دنيا" وظهر عليها التعب والنعاس ... مما جعلنا ننقلها الى المقعد الخلفي ... وننفرد أنا وسرمد نتحدث بأحاديث السياسه والحياة الشبابية ... وتشظيها ... ونشكو لبعضنا مصاعب الطريق وتشتت السبل ... التي تدفع أغلبية الشباب للتمرد والضياع ... فأنقلب حديثنا من رومانسية مفرطة الى شكوى واحباط وتبرم ... هكذا هو الشباب !!! ودعته وقلت : سأغادر الى دمشق يوم غذ ومن بعدها بأيام سأغادر الى بغداد .. كل منا سيسلك دربه وطريقه ومساره ... وتمنيت له مع " دنيا" حياة سعيدة هانئه ... !!

وبعد خمسين عاما التقينا في أوتيل "فينيسيا" على فنجان قهوه ، ودعاني لزيارة      " فيلته" وعائلته ولكنني اعتذرت لأنني مسافر فجرا الى عمان  ... فقال لي وداعا وستبقى "زقورة ونخله عراقيه صامدة" ورددت علية " ستبقى سنديانه وأرزه لبنانية صامدة " ... وتبادلنا كارتات التعريف للتواصل ... وسار كل منا الى طريقه وهدفة ومستقبله ...

   أبو طالب الهاشمي

2015/9/1

مذكرات و حياة أبوطالب الهاشمي - الصفحة الرئيسية -     المسار الصعب     الفجــــوة     العمارة الكحلاء     رؤى وأفكار في الاقتصاد والمال     التجارة الداخلية في العراق جزئيين    

     الملف الاقتصادي مجلة دورية اقتصاديه     مقالات وخواطر أبوطالب ألهاشمي اليوميه     شجرة العائلة     خارطة الموقع

اعلى الصفحة