((اضغط هنا)) الراصد المنير: مقالات دورية

كتابات وخواطر أبوطالب ألهاشمي

 
  مذكرات وحياة أبوطالب الهاشمي  
اهلاً و سهلاً

وثبة التنين الصيني نحو المجد

                   في نهاية عام ١٩٨٠ ، تم تكليفي برئاسة وفد اقتصادي كبير لزيارة الصين اثناء انعقاد معرض (( كانتون التجاري )) واثناء تواجدي في (( هونج كونج )) نصحني احد الخبراء العرب الاقتصاديون ان اذهب عن طريق القطار ، رغم ان الرحلة ستكون صعبة ومتعبة . 

                   كنت في شبابي معجب بالثورة الصينية ، وبتجربة المقاومة والتحرير التي قادها (( ماوتسي كونغ )) وكنت مولعاً بقراءة كتب (( لي شو شاوشي )) وتخريجاته الاشتراكية الماركسية . 

                تفحصت العوائل المسافرة الى (( كانتون )) واستغربت حملها عدد كبير من الاجهزة الكهربائية والاستهلاكية ... كهداية لاهلهم  في الجانب الثاني من الصين ... وهالني ما شاهدته اثناء لقاء الاسر الفرق الشاسع داخل العائلة ، في المنظر والملابس ، وكذلك الصحة وامتلاء الجسم ... وعند ذلك لمست مظاهر التقشف والتغذية السيئة في الصين .... ولمست بشكل بين واضح الفرق بين شظف العيش ، والرخاء في الجانب الثاني في الصين . 

               وعند دخولي الى (( الشقة )) المخصصة لي في الفندق ، وتعتبر من الدرجة الممتازة العليا ... تيقنت بأن الفروقات عن الحياة في (( هونغ كونغ )) فروقات جوهرية واساسية وقد توضحت لي هذه الصورة بشكل جلي عندما تجولت مساءً في انحاء المدينة ، حيث اكتظت شوارعها وحدائقها بالشباب (( المفترشين )) الارض ... وقد فسر لي ذلك الدكتور المرافق (( المترجم )) المخصص لي ... بأن هؤلاء يقضون اوقاتهم هكذا لصغر غرف مساكنهم ، وعدم توفر الشروط المعاشية الاساسية فيها... وتحدث لي بان عشرات الالاف من الشباب ينتظرون دورهم للزواج عند النجاح في الحصول على غرفة في احد عمارات  السكن . 

               وهكذا اطلعت على تفاصيل ضنك العيش وعدم توفر ابسط اسس الحياة الاجتماعية ... وسمعت الى قصص واحاديث وحالات انسانية محزنة ... ليس هناك مجالاً لاستعراضها ... لانها مأساوية جداً .....   وحكمت بفشل هذه التجربة الاقتصادية رغم ما شرح لي بأن هناك تقدماً ملموساً و ظاهراً على هذه (( المعيشة )) قبل سنوات . 

                واثناء التقائي بالمسؤولين الصينين الكبار على هامش المعرض ... استعرضت المشاكل والاخفاقات والصعوبات التي لمسناها في السنوات السابقة ... ومنها عدم انتظام الشحن ، وعدم تطابق المواصفات في بعض الاحيان ... واخطاء ومخالفات في مستندات الشحن .... وعدم وجود (( وثائق نظيفة )) حسب المعايير المصرفية و التجارية ... لقد وعدني المسؤولون الصينيون بان هذه المشاكل والاخفاقات ، ستزول وتختفي لان الادارة السياسية والاقتصادية للبلاد قد تغيرت ، حيث تم القضاء نهائياً على القيادة السابقة (( العصابة الاربعة )) والتأثيرات السلبية للثورة الثقافية .... ووعدوني بأن الامور ستتحسن كلياً وجذرياً وفعلاً تحقق ذلك بشكل بارز وواضح خلال سنة ، ولقد لمست ذلك بشكل جلي وعملي ، وخاصة عند زيارتي للصين في المرة الثانية بعد اربع سنوات ... حيث حققت الصين انطلاقة كبيرة ووثبة عالية نحو الامام ... حيث شهدت الاعوام الماضية تغييرات هيكلية في الانتاج ، واعادة النظر في التنمية ... واجراء اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة واصبح المارد الصيني بعد خروجه من (( القمقم )) يحقق نسبة نمو اقتصادي عالي كمعدل سنوي يزيد عن ١٠٪ وبدأت الصين تخطو خطوات واسعة نحو مجتمع الرفاهية الاقتصادية وتم السماح بانشاء مشروعات خاصة ، وبناء مشروعات مشتركة مع الاستثمارات الاجنبية ، و احتفظت الدولة بسيطرتها على الصناعات الثقيلة وقطاع الطاقة والتعدين . 

                   وفي المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي الصيني ١٩٨٢ طرح (( دينج شياو بينج )) نظرية جديدة  لبناء الاشتراكية المختلطة ذات الخصائص الصينية والتطور المتدرج  في الاصلاح الاقتصادي .... حيث اصبحت الصين ثاني اكبر اقتصاد عالمي واصبحت اسرع اقتصاد كبير نامي .... ولقد كان نصيب الفرد من الناتج المحلي بحدود ٣٢٠٠$ وحالياً بحدود ٥٩٤٣$ 

                  وبعد زيارتي الى بكين واتصالي بقادة القطاع الاقتصادي ... لمست جدياً وعملياً هذة القفزة العملاقة في كافة المستويات ... خاصة في قطاع الصناعة والانفتاح التجاري ... وهالني هذه المتغيرات النوعية عند زيارتي لعدد من الصناعات الهندسية في (( شنغهاي )) ومشاهدة العناية الكاملة بتطوير قدرات الكادر المهني في المعاهد المتخصصة .... وكذلك العناية بمكاتب البحوث والتطوير والهندسة العكسية ...!!! 

                 وعند قيامي بجولة كاملة في مدينة شنغهاي شاهدت القفزة النوعية الهائلة التي حدثت بعد  زيارتي الاولى ، واطلعت على التقدم الكبير في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية . 

                كانت جولاتي في الصين بالزيارة الثانية ، قد اعطتني انطباع وعلمتني دروس ان الشعوب التي تحصل على قيادات واعية متفتحة مخلصة لاهدافها ووطنها تستطيع انجاز ضخم من التحولات الاقتصادية والاجتماعية ... والتجربة الصينية اكبر برهان واكثر مثال حي ... على ان هذه التطورات المبدعة ... حققت  قفزات عالية نحو رسم مستقبل الرفاهية الاجتماعية ... لفترات قصيرة وتنجز ماهو مستحيل في المقاسات و المعايير الدولية المعتادة . 

             هنيئاً للشعب الصيني هذه الانجازات الرائعة والتي تعتبر مثالاً  حياً وصادقاً لما تنجزه القيادات والشعوب من تغييرات وطفرات نوعية استثنائية خارقة ...!!! انها بحق تجربة رائعة رائدة ... تستحق ان تكون مثالاً للتقدم والتطور 

 أبو طالب الهاشمي

2015/7/16

مذكرات و حياة أبوطالب الهاشمي - الصفحة الرئيسية -     المسار الصعب     الفجــــوة     العمارة الكحلاء     رؤى وأفكار في الاقتصاد والمال     التجارة الداخلية في العراق جزئيين    

     الملف الاقتصادي مجلة دورية اقتصاديه     مقالات وخواطر أبوطالب ألهاشمي اليوميه     شجرة العائلة     خارطة الموقع

اعلى الصفحة