((اضغط هنا)) الراصد المنير: مقالات دورية

كتابات وخواطر أبوطالب ألهاشمي

 
  مذكرات وحياة أبوطالب الهاشمي  
اهلاً و سهلاً

الاصلاح بين التصحيح الشكلي و التغيير الجذري 

  الانتفاضة الشبابية الاجتماعية التي انطلقت في بغداد وكل انحاء العراق .... اعطتنا امالاً كبيرة و احلاماً وردية مشرقة في زمن الاحباط والانكسار و الخذلان .... اطلقت هذه الانتفاضة الجبارة الهادرة ، الوعي الجمعي الصادق ... الذي يمثل كل عوامل العنفوان و التمرد و الغضب ضد (( العملية السياسية الراهنة )) التي اسسها (( الاحتلال و الهيمنة الاجنبية على قواعد المحاصصة السياسية الطائفية و الاثنية ، والفساد السياسي و المالي و الاداري ، وسوء الادارة ، )) واطلقت هذه الفئات الرجعية كل عوامل التقسيم و التفتيت و التهميش ... و التخريب وهدر الاموال العامة ، وتحطيم مؤسسات الدولة ... و اشاعة مفاهيم التخلف الرجعية و اثارة النعرات المتطرفة (( الاسلاموية )) .... وارساء قوانين وانظمة و سياسات (( بريمرية )) جوفاء منذ (( مجلس الحكم )) 

 والحكومات العراقية المتعاقبة ... التي امتازت بظاهرة واحدة فريدة وهي العمل على تخريب النسيج الاجتماعي ... و الصراعات و النزاعات التي فتنت الوحدة الوطنية .... وساعدت بنهب ثروات البلاد ... وتقسيمها بين مافيات حاكمة واحالت العراق الى امارات و اقطاعيات متنفذة ... لا يهمها اطلاقاً مصلحة الوطن و المواطنين ...!!! 

 سيطرت القوى والتكتلات السياسية الوصولية (( التي جاءت مع المحتل )) نىوجمعت وكتلت الانتهازيين و الوصوليين و الفاسدين اللذين عملوا على تخريب مؤسسات الدولة والبنية الارتكازية التحتية .... بل هدموا الدولة والحكومة المركزية ولم يعملوا ابداً و بشكل مطلق على تنمية واعمار البلد .... واصلاح ماخرب نتيجة الحروب الكارثية .... فلذلك تدهورت جميع القطاعات ، وبدأ المواطن ومنذ ٢٠٠٤ تزداد مآسية و معاناته ، نتيجة فقدان الخدمات الاجتماعية كافة في المدن و الريف ، فتدهور الانتاج وانخفضت الانتاجية وتعطلت المصانع ، وانعدم الانتاج الزراعي بشكل كامل وتحطمت مؤسسات الدولة ، وتراجع انتاج النفط ، وسرقت واردته بالتهريب، ، ونهبت كل الثروات العراقية ... وشكلت (( مكاتب حزبية خاصة اقتصادية )) لاستلام العمولات و الرشاوي من الشركات الاجنبية والمواطنين على السواء .

 لقد سادت (( تسعيرة خاصة للابتزاز )) لكل الخدمات و المقاولات و التوريدات ، وعم الفساد و استشرى  فاصبح العراق مكباً للسلع الاستهلاكية و الانتاجية (( الفاسدة و القديمة و المستهلكة )) فالغيت المواصفات القياسية كلياً ، وتحول العراق بالتقيم الدولي كأول الدول في هرم الفساد ....!!!! 

ومن الغريب ان شمل ذلك المواد الغذائية و الادوية والمواد الاولية و الاحتياطية وسلع الانتاج الاساسية واصبحت البطاقة التموينية الغذائية الاساسية و الادوية الحكومية وتوريدات القطاع الخاص مثالاً بارزاً و اكيداً على مدى الفساد المستشري ....!!!! 

من المخجل والمعيب ان شمل الفساد بيع المناصب الحكومية القيادية و الثانوية داخل الكتل السياسية نفسها وبشكل فاضح من درجة وزير فما دون ، وحددت تسعيرة خاصة للوظائف العسكرية والمدنية .... وتحولت اجهزة الدولة و الحكومة ؟ الى مؤسسات (( جباية وسرقة  )). للاحزاب و الشخصيات المشاركة في السلطة ... وتحولت هذه السرقات الى ظاهرة متجذرة منذ (( تأسيس مجلس الحكم و لحد الان )) و لايمكن فرز و استثناء قوة سياسية وحزبية او اشخاص من هذه الظاهرة .... الاستثناءات خاصة محدودة و مبعثرة جداً ولا تذكر ....!!! 

 نشرت الوثائق والتقارير الرقابية و المحاسبية و التدقيقية في عدة منشورات ووثائق رسمية ... وحدد الفساد في اروقة (( اورها )) ...و ال (( CPA )) واجهزة الاعمار و الاستثمار في (( السفارة الامريكية )) منذ ٢٠٠٤ ... ويمكن مراجعة تقرير النائب الامريكي (( هنري واكسمان )) حزيران ٢٠٠٥ وما اعقبه من تقارير محاسبية مالية ويمكن مراجعة تقارير الهيئات الدولية . 

عمت العراق ... موجة من الفساد وشملت كل مشاريع الاعمار و الاستثمار ... منذ التنفيذ و احتساب الكلف الاولية  ... فاصبحت الكلفة في العراق اعلى كلف في العالم في العقود والتوريدات ، وعدلت المواصفات النوعية بشكل ردئ ... بل فقدت الرقابة النوعية في كل القطاعات ، والغيت وزورت الوثائق الصحية و شهادات المنشأ . والنوعية ، والمواصفات و المعايير الدولية ... و زورت معظم الوثائق المطلوبة بموجب الاعتمادات المستندية منذ الاحتلال عام ٢٠٠٣ و عمت ظاهرة المشاريع الوهمية و المتلكئة  ... حيث يتم استلام دفعات مالية وسلف على المشروع لا تتناسب و الاعمال المنجزة ... ومنذ تعليق (( يافطة المشروع )) والغيت لجان المتابعة والتحقق والتدقيق من قبل دوائر الحكومة  المركزية و الحكومات المحلية ... واوجدوا وسيلة مبتكرة ... وهي البدء بالمشروع و التلكؤ في التنفيذ منذ المراحل الاولى مع استمرار عمليات الصرف واحالة المشروع الى اكثر من مقاول ثانوي ... بحيث ان بعض المشاريع مضى عليها اكثر من عشرة سنوات ولم تنفذ مطلقاً .... وضاعت في سجلات ووثائق مفقودة ...!!!

المهم اصبحت المناصب الحكومية القيادية تطرح في مزادات سياسية ومالية. بين الكتل على مستوى المركز ثم على مستوى الحكومات المحلية ... واصبحت اجهزة الدولة و الحكومية كافة مرجعاً للفاسدين و السراق .... وشكلت مافيات عالمية خطيرة لاقتسام هذه الاموال التي تجاوزت حدود (٤٠٠) اربعمائة مليار دولار خلال ثماني سنوات فقط ...!!!  وحولت مبالغها الى خارج العراق ...!!! 

لقد شخصنا هذا الفساد بوقت مبكر ، وعقدنا ندوة نقاشية متخصصة فضحنا فيها الفساد وتحديد مسارات الاصلاح السياسي و الاقتصادي ، ونشرنا ذلك في مجلتنا (( الملف الاقتصادي )) العدد (٦) نيسان ٢٠١١ ... ولخصنا في حينها(( حيث كنت رئيس مجلس ادارة المجلة )) مطاليب المواطنين ب ((٥٠)) نقطة منشورة على موقعي الرسمي ... وحددنا البدائل و التوصيات و الحلول وكان عنوان التوصيات ( افكار ورؤى عامة للحوار )) في ٢٠١١/٥/١٥ ان الخطوات الاصلاحية التي اتخذت هي خطوات ترقيعية و شكلية وثانوية  ... وهي خطوات تقشفية محدودة ... لكنها تعتبر خطوات ايجابية ايدتها الجماهير و دعمتها ... ولكن طالبت هذه الجموع لتجذيرها ودفعها الى الامام .... اذ ان الاصلاحات الجزئية الشكلية والتصحيحية لا يمكن ان تحل المشكلة ... و لا تقضي على الفساد المستشري في كل القطاعات و المستويات ... لذا ستستمر الجماهير الشعبية بالضغط لتحويل هذه الاصلاحات الى برنامج ونظام عمل من منظور سياسي واداري شامل يدفع باتجاهات تغيير شامل وجذري لكل النظم السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية الراهنة .... لتحقيق نقلة حقيقية وتحولات جذرية مناسبة تعالج الاخفاقات القديمة ، وتفضح الفساد السياسي و الاداري و المالي .... وبناء استراتيجية واضحة لمكافحة الفساد واصلاح النظام السياسي و الاقتصادي و المالي ....!!! 

ان خطورة المرحلة .... و التحديات الحاكمة في المشهد العراقي ... تتطلب تحديد مهام ووظائف هذه المرحلة و التركيز على الاسبقيات المهمة ... لمعالجة الاخطار و التحديات واهمها محاربة الارهاب و التطرف ... اضافة الى محاربة الفساد و الاتجاهات التقسيمية والتفتيتية للمجتمع العراقي الواحد الموحد ... واذا قيل ان كل الجهود للمعركة الرئيسية ... فان الارهاب و الفساد و الانقسام ... هما خطر واحد وفي بودقة واحدة ، يمثلان عدواً واحداً يجب محاربته بكل قوة ... بعد ان توضع الاوليات و الاسبقيات و المناهج و الادوات التي تكفل المعركة ، بدون تشتيت الجهود وتركيزها امام التحديات الرئيسية (( ولا ننسى الازمة المالية وتدنى الموارد الاقتصادية ... التي عقدت المشاكل و ضاعفت من تأثير الازمة الحالية )) 

اننا في الوقت الذي نبارك وندعم فيه اي خطوة اصلاحية ... ولكننا نعتبر التشكيلات الحكومية و الهياكل الادارية المؤسساتية للدولة حالياً .. هي مؤسسات مأزومة ومترددة وضعيفة وفاسدة ومخترقة تماماً من الفاسدين لانها حكومة محاصصة .. وكثير من عناصرها وصوليون فاسدون ولا تتوفر فيهم الكفاءة والخبرة والنزاهة ... فهم مجرد ادوات حزبية وتكتلات سياسية فاشلة خربت العملية السياسية والديمقراطية واوجدت برلماناً وحكومات محلية هزيلة، متناقضة، وضعيفة فاسدة ان هذه الحكومة بشكل الحالي المهزوز والمهمش  وبدون اصلاح لا تمثل الجماهير الشعبية المنتفضة وطموحاتها حتماً ... لانها برزت ونمت بتمويل المال السياسي المسروق من الدولة نفسها بوسائل غير شرعية وانظمة غير عادلة لاعتمادها على المحاصصة السياسية والطائفية والعرقية الاثنية ... ومدعومةً من الاجنبي ...؟

ان الدولة بتشكيلاتها وهيكلتها الحالية غير مهيأة ولا تساعد على تحويل الاصلاحات الشكلية الى تغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية ايجابية فعال ... لذا ستبقى هذه الاصلاحات محدودة ومحصورة ومبعثرة ...!! 

ان الاصلاح والتغيير الشامل يتطلب خطة واضحة واستراتيجية كاملة شاملة ، وسياسات ومناهج تطبيقية ضمن توقيتات محددة ....!! 

 صدور بعض القرارات بشكل منفصل وغير مترابط لا تساعد الى اتخاذ خطوات حقيقة واسعة جدية اذا ان محاربة الفساد والجريمة المنظمة والارهاب في حزمة واحدة ، تحتاج الى خطط واضحة وادوات تنفيذية مخلصة ومرتبطة باهداف هذه الخطط ... ولها القدرة والذهنية على معرفة الخيارات و الوسائل التي تحقق هذا الهدف المركزي . 

 لذا يبدو ستكون هذه الاصلاحات ترقيعية وغير مجدية وسطحية اخذت لتخدير الشعب ولكسب ولائه مؤقتاً ...!!! 

وفيما يخص محاربة الفساد و الجريمة المنظمة يحتاج الامر الى الاستعانة بالخبرات الدولية و الاجنبية المتخصصة ومكاتب الرقابة و التدقيق المالي .. وتحتاج ايضاً الى قدرات تدقيقية وتحقيقية وقضائية لا تتوفر حالياً في العراق ... ان للفاسدين قدرات وشبكات واسعة للتزوير و التضليل ووسائل ماهرة لغسيل الاموال ... ويتم عملهم و جرائمهم ضمن شبكات دولية واسعة ويتمتعون بتغطيات قانونية وسلطوية عميقة ...!!! ولا بأس من الاستعانة بالقدرات و الخبرات الدولية المتخصصة .. 

الاصلاح السياسي والادراي والمالي عمليات معقدة ومتشابكة ... تحتاج الى تنمية الوعي الجمعي لكشف هذه الجرائم ومحاربتها بشكل دائم وليس بهبة انية وعاطفية وحسب واخيراً وبعد مرور شهر على الانتفاضات الجماهيرية و الاحتجاجات الاجتماعية ... يبدو انه حولت مطالب الاصلاح ، وتوفير الخدمات الاساسية ... الى شعارات ثانوية تسعى الى تصفيات سياسية خداعة بين اطراف العملية السياسية نفسها .... وتسقيط شخصيات سياسية معينة ...!!! حيث لم تتحول الخطوات الى استراتيجية للاصلاح و القضاء على الفساد . وهل يصلح الفساد الفاسدين انفسهم ... وفاقد الشئ لا يعطيه ...!!  

ان الجماهير الشعبية تصر على مطالبها بتوفير الخدمات الاساسية و البنى التحتية الارتكازية وتنفيذ حقوق المواطن الدستورية .... ومحاربة البطالة و الفقر والعوز واعادة توزيع الدخول بما يحقق العدالة الاجتماعية ...!! 

ان برنامج الاصلاح اذا لم تتوفر به هذه الاسس الضرورية سيكون خواء سياسي وهباء منثور .... وهذه المطالب الجماهيرية لا يمكن تحقيقها اصلاً   الا بعد استكمال تأسيس دولة مدنية ديمقراطية حقه و تخليص العراق من الارهاب والفساد والتخلف ... والتخلص من الهجمة الاجنبية و النفوذ الاقليمي ... والسعي الجدي لتحقيق الوحدة الوطنية و السلم الاهلي و الاجتماعي ... وهذا بالتأكيد لا يتم اطلاقاً الا بتوحيد الجهود الوطنية التقدمية الديمقراطية ...!!! المهم ان الجماهير الشعبية تنتظر استراتيجية الاصلاح ومحاربة الفساد والتنمية و الاعمار بفارغ الصبر كما تنتظر الغيث في صحراء مجدبة

 صارت مواعيد عرقوب لها مثلا
وما مواعيدها الا الاباطيل
فليس تنجز ميعاداً اذا وعدت
الا كما يمسك الماء الغرابيل

   أبو طالب الهاشمي

2015/8/24

مذكرات و حياة أبوطالب الهاشمي - الصفحة الرئيسية -     المسار الصعب     الفجــــوة     العمارة الكحلاء     رؤى وأفكار في الاقتصاد والمال     التجارة الداخلية في العراق جزئيين    

     الملف الاقتصادي مجلة دورية اقتصاديه     مقالات وخواطر أبوطالب ألهاشمي اليوميه     شجرة العائلة     خارطة الموقع

اعلى الصفحة