لبيت دعوة وزير المالية الماليزي لعقد اجتماع جديد للجنة العراقية المالية الاقتصادية ... وفور وصولي الى الفندق مساءً ... اصر الوزير على دعوتي الى عشاء عمل ، سريع خاصة بعد ان عرف ان زيارتي ستكون قصيرة لا تتجاوز اليومين . 

               ومن اللحظات الاولى استعرضنا معاً التطور الاقتصادي في البلدين ... حيث اوضح لي ... ماهية التطورات الاقتصادية الجديدة وملامحها .... واجاب على استفساراتي في هذا المجال وفي نفس الجلسة .... رسمنا ملامح التعاون بين الطرفين من اجل ارساء علاقات اقتصادية متميزة لمصلحة شعبينا . 

             بدأت ماليزيا في اجراء حزمة من الاصلاحات الاقتصادية خاصة عندما تولي (( مهاتير محمد ١٩٨٢)) سلطة مجلس الوزراء حيث عمد لارساء خطط وسياسات جديدة لخفض معدلات التضخم ، وانهاء التفرقة العرقية ، التي ارسى دعائمها المحتل البريطاني بعد سيطرته على ((الملايو)) . 

            وحققت (( ماليزيا )) في خطتها الجديدة نسبة نمو ٧٪ سنوياً ... ونفذت تطوراً هائلاً في الصناعة وخاصة (( اقراص الحاسوب الصلبة )) وتنمية تجارة المطاط والزيوت والاخشاب والقصدير ، وصناعة الاجهزة الكهربائية و الالكترونية ولقد استفادت ماليزيا من التجربة والاستثمارات (( اليابانية )) . وتحقيق نقلة تكنولوجية رائعة . 

            ولم يكتفي السيد الوزير بشرح النهضة الاقتصادية وانما حرص على مرافقتي للعديد من المشاريع الصناعية والزراعية بحيث انشغل كامل يومي صباحاً ومساءً بهذه الزيارات والتقاء كبار الاقتصاديين والمخططين والسياسين .

             لقد اتاحت لي هذه الاجتماعات واللقاءات الاطلاع على خصب هذه التجربة خاصة في المجال الاجتماعي لازالة الفوارق العرقية في المجتمع ... وتنظيم المجتمع على اسس من المساواة والعدالة الاجتماعية ، وتحقيق التنمية و الازدهار وتخفيض الفقر من ٥١٪ الى ٣٠٪ فقط . 

             لقد ارتفعت صادرات (( ماليزيا )) من ((٣)) مليارات سنوياً الى حدود (( مائة مليار دولار )) وانخفضت معدلات البطالة الى نحو ٢,٧ ٪ ... وهكذا تحولت ماليزيا من المنهج الاسلامي الى منهاج تحقيق التوازن في التوزيع العادل للدخل والثروة .. وفق سياسة متفتحة لا تميز فيها بسبب الدين او الجنس او اللون . 

             ولقد سئلت عن انطباعاتي ... وهل لمست فرق بين زيارتي الحالية و زيارتي السابقة وعبرت مخلصاً عن اندهاشي لهذا التطور السريع ونجاح خطة العمل الوطني الجبار للنهوض والتقدم ، وتحقيق هيكلية اقتصادية متقدمة ، ونجاح التجربة الاقتصادية اللامركزية .

              ان ما حققه (( النمور الاسيوية )) وخاصة ماليزيا التي شهدت حلولاً عملية ممتازة للتعايش العرقي والديني ، وتآلف  الملاويين و الصينين و الهنود ، وتلاقح  البوذيون و الهندوسيون و المسلمون و المسيحيون و السيخ و الطاربين و الكونغوشيون  ... الكل يشعر بالمواطنة الكاملة والمساواة و العدالة .! 

              لقد لمست ان الحكومة الماليزية قد خصصت ٢٠٪ من ميزانيتها للتعليم والبحوث و التدريب المهني . 

 وقد حققت الحكومات المتعافية على تحويل (( ماليزيا )) من شعب زراعي محدود التعليم الى شعب مدني متقدم ، منصهر في بودقة واحدة من المساواة و التعايش السلمي . 

            ومن الخطوات العملية للنهوض ، وتخليص البلد من العناصر الفاسدة والتخلص من الروتين البيروقراطي باعتماد انهاء المعاملة باجراء واحد ومن خلال نافذة واحدة ... تعتمد الالية الالكترونية في المراجعة و الانجاز .... كانت اوقاتي مليئة بالبحث عن  الانجازات و الاطلاع على التجربة الماليزية المميزة ... ولولا ارتباطي بموعد اخر في (( استراليا )) بدعوة من مجلس الحبوب الاسترالي ... لكنت استجبت لدعوة زميلي لتمديد ايفادي الى يوم اخر ... لمشاهدة المزيد من التطورات الاقتصادية والاجتماعية .... ان الدروس والعبر ... التي تؤخذ من التجربة الاقتصادية الماليزية ... تفيد ان العزيمة السياسية و القرار الاداري المستقل و الموحد لرسم خطط و سياسات التنمية البشرية و الاصرار على صهر كل الخلافات والانقسامات العرقية والدينية و الاجتماعية .

            ان ما عمله (( مهاتير محمد )) من الممكن عمله و انجازه من قبل قادة مخلصين اخرين  لشعوبهم ... اذا ما عزموا على خط وانجاز (( تجربة ناجحة )) تتلائم والتطور الاقتصادي و المجتمعي لشعوبهم و بلادهم . 

أبو طالب الهاشمي

2015/8/2